فيلم حمو أونامير: من أسطورة أمازيغية إلى عمل سينمائي خالد



فيلم حمو أونامير: من أسطورة أمازيغية إلى عمل سينمائي خالد

تُعد السينما الأمازيغية واحدة من أبرز المساحات التي تحافظ على الذاكرة الجماعية للأمازيغ، وتنقل قصص الأجداد من الشفوي إلى المرئي. ومن بين الأعمال التي نجحت في هذا الجانب يبرز فيلم "حمو أونامير"، الذي حوّل أسطورة متداولة بين الأمازيغ إلى فيلم درامي مؤثر، استطاع أن يلامس قلوب المشاهدين منذ عرضه الأول سنة 2003.




الأسطورة التي صنعت الحكاية

قصة الفيلم تعود إلى التراث الشعبي الأمازيغي، حيث يُحكى أن شابًا وسيمًا يُدعى حمو عاش في إحدى القرى المعروفة بالعلم والقرآن. كان مختلفًا عن أقرانه، ليس فقط بجماله ولكن أيضًا بصفاء قلبه. ذات ليلة، تظهر له حورية سماوية في المنام، لتصبح بعد ذلك جزءًا من حياته بطريقة غامضة وسحرية.

تدخل هذه الحورية حياته عبر نافذة صغيرة، وتترك أثرها بوشم الحناء على كفه، لتثير فضول القبيلة وتساؤلاتها. ومع مرور الوقت، يقرر حمو أن يرتبط بها، لكن الأحداث لا تسير كما خطط، إذ يتدخل القدر عبر شخصيات شريرة، أبرزها تامرويت، التي طُردت من عالم الخير وتبحث عن الانتقام بزرع الفتن.

ينقلب عالم حمو رأسًا على عقب بعد اختفاء الحورية، فيبدأ رحلة طويلة بين السماء والأرض، رحلة مملوءة بالخيبات والصراعات والخيال، بحثًا عن الحلم الذي خطف قلبه.


من الحكي الشفوي إلى الشاشة

ما ميّز فيلم "حمو أونامير" أنه لم يقتصر على إعادة سرد الأسطورة، بل قدّمها بلغة سينمائية حديثة تحترم روح الحكاية الأصلية وتضيف عليها أبعادًا جديدة. أخرجت العمل المبدعة فاطمة علي بوبكدي، التي يُطلق عليها في الإعلام المغربي لقب "سيدة الحكي التي فتنت المغاربة"، نظرًا لقدرتها على إعادة صياغة التراث في صورة جذابة.

إنتاج الفيلم تم على يد شركة الوردة برودكسيون، بمشاركة نخبة من الفنانين الأمازيغ، ليخرج العمل إلى النور في مطلع الألفية الثالثة، ويحقق صدى واسعًا بين الجمهور.


أبعاد رمزية وفنية

الفيلم لا يُقدَّم فقط كقصة رومانسية أو أسطورية، بل يحمل أبعادًا أعمق:

  • البعد الديني: تصوير القبيلة كمكان للعلم والقرآن، في مقابل قوى الشر التي تسعى إلى نشر الفتنة.

  • البعد الاجتماعي: العلاقة بين الفرد والجماعة، وكيف يمكن لحدث شخصي أن يتحول إلى قضية عامة تهدد توازن القبيلة.

  • البعد الرمزي: الحورية تمثل الحلم، الطهر والجمال، بينما تمثل "تامرويت" الجانب المظلم من النفس البشرية.

  • البعد الفلسفي: رحلة حمو ليست مجرد بحث عن الحورية، بل هي بحث عن الذات وعن المعنى وسط صراعات الخير والشر.


أثر الفيلم في السينما الأمازيغية

اعتبر النقاد أن فيلم حمو أونامير واحدًا من أفضل ما أنجزته السينما الأمازيغية حتى اليوم. فهو يجمع بين السرد التراثي والفانتازيا السينمائية، ليمنح المشاهد متعة بصرية وفكرية في آن واحد. كما فتح الباب أمام صناع السينما الأمازيغية لتجربة تحويل الأساطير إلى أعمال فنية، مما ساهم في تعزيز الهوية الثقافية للأمازيغ على الشاشة.

ورغم مرور أكثر من عقدين على إنتاجه، ما زال الفيلم يُعرض في مناسبات ثقافية ويُذكر كعمل رائد يجسد قوة التراث الشعبي حينما يُترجم بلغة الفن.


خلاصة

فيلم "حمو أونامير" ليس مجرد عمل سينمائي عابر، بل هو جسر بين الماضي والحاضر، جمع بين جمال الأسطورة وحبكة السينما. بفضله تعرّف الجمهور الواسع على إحدى أجمل الحكايات الأمازيغية، وأصبح مرجعًا في كيفية توظيف التراث لخدمة الفن.

يبقى "حمو أونامير" درسًا مهمًا لصناع السينما: أن الحكايات القديمة لا تموت، بل تنتظر من يعيد إحيائها بأسلوب حديث، ليظل المشاهد وفيًّا لذاكرته وفي الوقت نفسه مفتونًا بجمال الصورة السينمائية.



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال