عندما نتحدث عن الأسماء البارزة في مجال الفن الأمازيغي بالمغرب، يبرز اسم عبد اللطيف عاطيف كأحد أهم الفنانين الذين ساهموا في ترسيخ حضور اللغة والثقافة الأمازيغية على خشبات المسرح وشاشات السينما والتلفزيون. مسيرة امتدت لعقود من الزمن، جعلت منه فناناً محبوباً، قادراً على الجمع بين الإبداع الكوميدي والتمثيل الدرامي، ليبقى جزءاً من ذاكرة الفن المغربي.
النشأة والبدايات الأولى
وُلد عبد اللطيف عاطيف يوم 30 يناير 1961 بمدينة إنزكان، وسط بيئة غنية بالثقافة الشعبية الأمازيغية. كان شغفه بالفن واضحاً منذ الصغر، إذ شارك في الأنشطة المسرحية المدرسية والجمعيات الثقافية. وقد شكل المسرح نقطة انطلاقه الأساسية، حيث وجد فيه فضاءً للتعبير عن موهبته، ولتجسيد قضايا الناس بلغة بسيطة قريبة من المتلقي.
خلال أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، انضم إلى فرق مسرحية محلية، وشارك في أعمال مسرحية لاقت تفاعلاً كبيراً مثل خليونا نمتلوا وبحال التمثيل. هذه المرحلة لم تكن مجرد بداية، بل كانت مدرسة حقيقية صقلت موهبته، وأعطته فرصة ليعرف الجمهور قدراته التمثيلية المميزة.
الانطلاقة نحو السينما الأمازيغية
مع بداية التسعينيات، بدأت السينما الأمازيغية تعرف حراكاً ملحوظاً، وكان عبد اللطيف عاطيف من أوائل الفنانين الذين ساهموا في وضع أسسها. ظهوره في فيلم تامغارت وورغ سنة 1994 شكّل منعطفاً حاسماً في مسيرته، حيث حقق العمل نجاحاً واسعاً، وفتح له الأبواب نحو المشاركة في عدد كبير من الأفلام الناطقة بالأمازيغية.
من بين أبرز أعماله السينمائية:
-
تازيت ن وانغا
-
تاڭوضي
-
حمو أونامير
-
تامازيرت أوفلا
-
تيروكزا إتمغارت
تلك الأعمال لم تكن مجرد إنتاجات فنية، بل حملت في طياتها رسائل اجتماعية وثقافية مهمة، وقدمت للجمهور قصصاً مستوحاة من الحياة اليومية للمجتمع الأمازيغي، بما فيها من قيم، تحديات، وأحلام.
أسلوبه الفني وخصائصه
ما يميز عبد اللطيف عاطيف هو قدرته على التنقل بين الأدوار الكوميدية والدرامية بسلاسة. ففي الوقت الذي أضحك فيه الجمهور عبر شخصيات خفيفة الظل، استطاع أن يُبكيهم ويجعلهم يعيشون لحظات مؤثرة في أدواره الدرامية.
يعتمد عاطيف في أدائه على أسلوب طبيعي بعيد عن التكلف، ويجيد توظيف لغة الجسد وتعابير الوجه، ما جعله قادراً على الوصول إلى قلوب المشاهدين. كما أن اختياره الدائم لأدوار قريبة من واقع الناس جعله محبوباً لدى مختلف الفئات.
حضور في التلفزيون والمسرح
رغم أن السينما الأمازيغية كانت بوابته نحو الشهرة الواسعة، فإن عبد اللطيف عاطيف لم يهمل المسرح الذي يعتبره الأساس. فقد ظل وفياً للخشبة، وشارك في عروض مسرحية مختلفة. أما على مستوى التلفزيون، فقد ظهر في عدة أعمال وبرامج أمازيغية، مما ساهم في تقريب صورته أكثر من الجمهور.
الجوائز والتكريمات
بفضل تميزه وإبداعه، حصل عبد اللطيف عاطيف على عدة جوائز رفيعة المستوى في مهرجانات سينمائية وطنية، أهمها:
-
جائزة أفضل دور رجالي عن فيلم حمو أونامير في مهرجان الفيلم الأمازيغي بورزازات سنة 2006.
-
نفس الجائزة عن فيلم سيدي محمد أوعلي في مهرجان أكادير سنة 2007.
-
جائزة أفضل ممثل عن فيلم تيروكزا إتمغارت في بورزازات سنة 2009.
-
جائزة أخرى عن دوره في فيلم تامازيرت أوفلا خلال مهرجان أكادير سنة 2009.
هذه الجوائز لم تكن مجرد تكريم شخصي، بل اعتراف بمكانة الفن الأمازيغي، وبقدرة الفنانين الأمازيغيين على تقديم أعمال ذات جودة عالية.
إسهاماته في الثقافة الأمازيغية
لا يخفى أن الفن الأمازيغي ظل لسنوات طويلة يعاني من التهميش، لكن أسماء مثل عبد اللطيف عاطيف لعبت دوراً محورياً في النهوض به. من خلال أفلامه وأدواره، ساهم في نشر اللغة الأمازيغية، والتعريف بعادات وتقاليد المجتمع الأمازيغي، إلى جانب معالجة قضايا اجتماعية مثل الهجرة، الفقر، والتعليم.
لقد أصبح عاطيف نموذجاً يحتذى به، ليس فقط كفنان، بل أيضاً كحامل لرسالة ثقافية تهدف إلى الحفاظ على الهوية الأمازيغية وإبرازها في الساحة الوطنية.
محبة الجمهور واستمرارية العطاء
ما يجعل عبد اللطيف عاطيف فناناً استثنائياً هو محبة الجمهور التي ظل يحظى بها طيلة مسيرته. فرغم تغير الأجيال، ما يزال جمهوره يتابع أعماله بحماس، ويقدّر إخلاصه للفن الأمازيغي. كما أن التزامه المستمر بتقديم الجديد جعله حاضراً بقوة في المهرجانات والأنشطة الثقافية إلى اليوم.
إن مسيرة عبد اللطيف عاطيف ليست مجرد تجربة شخصية، بل هي جزء من تاريخ الفن المغربي والأمازيغي. فمنذ بداياته فوق خشبة المسرح، مروراً بأدواره السينمائية المميزة، وصولاً إلى التكريمات والجوائز التي نالها، ظل وفياً للثقافة التي ينتمي إليها، ومخلصاً للجمهور الذي دعمه.
سيبقى اسمه مرتبطاً بالهوية الأمازيغية، وبذاكرة السينما والمسرح المغربيين كأحد الوجوه البارزة التي ساهمت في بناء مشهد فني غني ومتعدد الأبعاد.
المصادر عبداللطيف عاطف ويكيبيديا