النشأة الأمازيغية والبدايات
ولد مصطفى حجي في 16 نوفمبر 1971 في إفران الأطلس الصغير بمقاطعة كلميم-واد نُون، وهي منطقة جبلية ضمن منطقة سوس الأمازيغية، جنوب المغرب.
ينتمي إلى خلفية سوسية أمازيغية، وهي واحدة من المناطق التي لاتزال محافظة في كثير من مظاهرها اللغوية والثقافية (تشلحيت). تنقّلت عائلته في مرحلة مبكرة إلى فرنسا، ما أتاح له فرصة التدرّب المبكر في أوروبا، لكن جذوره الأمازيغية ظلت جزءاً من هويته.
ومن منظور ثقافي، فكونه من منطقة سوس يعني أنه نشأ في بيئة حيث اللغة الأمازيغية (تشلحيت) كانت متداولة، والهوية الأمازيغية حاضرة في الحياة اليومية، قبل أن تصبح اللغة العربية والفرنسية هي الأكثر هيمنة في المدارس والاعلام. هذا التأثير الثقافي جعل حجي ليس فقط لاعب كرة، بل رمزاً يتجاوز الرياضة إلى موضوع انتماء هووي.
المسيرة الرياضية والإنجازات
بعد نشأته الأولى، شارك حجي في الأندية الأوروبية الكبرى، منها:
نَانسي (فرنسا) حيث بدأ مسيرته الاحترافية.
سبورتينغ لشبونة (البرتغال) ثم ديبورتيفو لاكورونيا (إسبانيا)
كوفنتري سيتي و أستون فيلا (دوري الإنجليز)
كما شارك مع المنتخب الوطني المغربي في بطولتي كأس العالم 1994 و كأس العالم 1998.
أبرز إنجازاته: لقب “أفضل لاعب إفريقي” لسنة 1998.
من منظوره الأمازيغي، هذه المسيرة تُظهر كيف يمكن لابن منطقة يعتز بجذوره أن يعلو فوق التحديات، ويصبح ممثلاً ليس فقط للمنتخب المغربي، بل أيضاً رمزا لهوية متنوعة.
الهوية الأمازيغية والمكوّن الثقافي
الهوية الأمازيغية في المغرب – كما في باقي شمال إفريقيا – هي هوية الأصل والسكان الأصليين، قبل وصول التأثير العربي والإسلامي، ومساعي التعريب التي شهدتها البلاد.
في هذا الإطار، يمثل مصطفى حجي – كمنحدر من سوس – حالة من التمثّل لهذه الهوية في فضاء عام ليس فقط رياضياً، بل اجتماعياً وثقافياً. ولعل ما يُبرز هذا أن كثيراً من المغاربة الأمازيغ يرون فيه قدوة: شخصٌ “نجح في العالم” ولم يتخلى عن أصله.
ومن منظور لغوي، تنبثق أهمية ذلك أيضاً، حيث تشير الدراسات إلى أن اللغة الأمازيغية رغم أنها أصبحت رسمية في الدستور سنة 2011، لكن تفعيلها وإدماجها ما زالا يواجهان صعوبات.
ولهذا، فإن مسيرة حجي تحمل رمزية: أن ينحدر من خلفية لغوية وثقافية كانت في بعض الفترات أقل حضوراً في الإعلام والمؤسسات، ثم تحقق الظهور العالمي.
تجارب التمييز والعنصرية المرتبطة بهويته
رغم النجاحات الرياضية، لا يمكن إغفال أن الهوية الأمازيغية قد تعرّضت في بعض الأحيان لمضايقات أو ممارسات تهميش، سواء في المجال اللغوي أو الاجتماعي. في حالة مصطفى حجي تحديداً، توجد إشارات في الأوساط الأمازيغية تفيد بأنه واجه بعض السخرية أو التقليل؛
> «… في هذه المقابلة قال إنه لم يكن يتكلم العربية عند اختياره الأول للمنتخب. قال إن بعض اللاعبين من المدن الكبرى الذين يتكلمون العربية قالوا له: “بيع الزهور يا أمازيغي”».
ويضيف مصطفى حجي في أحد المقابلات الصحفية الموجودة على يوتيوب حيت سالته الصحفية هل سبق له أن تعرض للعنصرية في فرنسا كونه مغربي ويرد عليها حجي بأنه تعرض للعنصرية في بلده المغرب من قبل لاعبين من جهة الدارالبيضاء كونه أمازيغي وهم عرب.
رغم أن كل المغاربة امازيغ عرقيا ولا يمكن تحديد هوية الشخص فقط من لغته إلا أن هذا الفعل الذي تعرض له حجي يظهر جهل المغاربة بهويتهم.
في المغرب كما في الدول ذات التنوع اللغوي، غالباً ما تُمارَس التهميش أو النظرات الدونية تجاه الناطقين بالأمازيغية أو القادمين من المناطق الجبلية أو الأطراف، وقد تظهر هذه الممارسات في التلميحات أو السخرية أو التهم البسيطة.
لماذا تُعد قصته مهمة من منظور الهوية؟
1. تمثيل الهوية الأمازيغية في فضاء دولي: حين يرتدي لاعب أمازيغي من سوس ألوان المنتخب المغربي، فهو يحمل أكثر من لون قميص؛ فهو يمثل دولة والدولة ثمثله.
2. كسر الصور النمطية: كثير من الأمازيغ في الماضي كانوا أقل ظهوراً في المناصب الرياضية الكبرى أو الإعلامية، وقصة حجي تُظهر أن هذا الحاجز يمكن تجاوزه.
3. إطلاق نقاش حول التعدد اللغوي والاحتواء: عبر قراءة مسيرته من هذا المنظور، تُفتح أمامنا أسئلة: كيف يُحتضن التنوع في المجتمع؟ هل تُمنح فرص متساوية بين مختلف الخلفيات؟
4. إلهام للأجيال الجديدة: خاصة للشباب من الأمازيغية، أن يروا في حجي قدوة، شخصاً “خرج من المنطقة” وأصبح نجماً عالمياً، مع الاحتفاظ بجذوره.
التحديات والفرص للمستقبل
رغم أن اللغة الأمازيغية أصبحت رسمياً معتمدة في دستور المغرب، فإن التفعيل العملي لا يزال محدوداً، وهذا يطرح تحدياً أمام الاحتفاظ بالهوية.
في المجال الرياضي، لا يزال من المهم أن يتم تمثيل مختلف الجهات والهوّيات بشكل متساوٍ، خصوصاً في المناصب القيادية والإدارية.
قصص مثل قصة مصطفى حجي يمكن أن تُستغل ضمن برامج تثقيفية تشجّع الشباب الأمازيغي على الاحتفاظ بلغته وثقافته والطمُوح في آنٍ معاً رغم تعرضه للعنصرية.
أيضاً، كجزء من مجتمع متعدد الهوّيات، على الإعلام والمؤسسات الرياضية أن تتعامل بحساسية مع مسألة الهوية والتمييز، وتعمل على ترسيخ قيم الاحتواء والمساواة.
خاتمة
قصة مصطفى حجي ليست فقط حكاية لاعب كُرة موهوب، بل هي أيضاً سيمفونية هوية، ثقافة، وتحدٍ. من جبال سوس إلى ملاعب إنجلترا والبرتغال وإسبانيا، وعبر بطولات عالمية وإفريقية، مرّ حجي برحلة لا تهم الكورة فحسب، إنما أيضاً الهوية والاعتراف. وقد يكون التحدي الأكبر ليس الفوز بجائزة “أفضل لاعب أفريقي”، بل أن يُعترف به الشاب الأمازيغي في منطقة جبلية بأنه “مُنتمي للنجاح” كما هو “منتمٍ لجذور”.
إننا، من منظور أمَازيغي، نرى في مصطفى حجي أكثر من نجم رياضي: نراه تجسيداً لِـ «نقدر نكون ونبقى كما نحن»، و«نقدر نعلو دون أن ننسى من أين جئنا». وهكذا، فإن قراءة مسيرته ضمن سياق الهوية الأمازيغية تضيف لها بعداً إنسانياً وسياسياً وثقافياً — وتفتح الباب لنقاشات أوسع حول الثقافة، والرياضة، والهوية في المغرب اليوم.
Tags
اللغة الامازيغية
