فاطمة تبعمرانت: أيقونة الأغنية الأمازيغية وصاحبة الرباب الفضي
🌅 مقدمة
تُعد فاطمة تبعمرانت (ⴼⴰⵜⵉⵎⴰ ⵜⴰⴱⴰⵄⵎⵕⴰⵏⵜ) واحدة من أبرز الفنانات الأمازيغيات في تاريخ الموسيقى المغربية الحديثة. لم تكن مجرد مطربة أو موسيقية، بل كانت صوت هوية كاملة، وشاهدة على تجربة شعب تفتخر بلغته وتراثه.
ولدت عام 1962 في منطقة إفران الأطلس الصغير، ضمن قبيلة إد أولاد ناصر قرب تازناخت في جهة سوس. تربت في بيئة أمازيغية محافظة، حيث كان المجتمع حولها محافظًا، وكانت الأسرة تؤكد على القيم التقليدية. فقدت والدتها في سن مبكرة، فتربّت على يد خالتها، التي غرست فيها حب القراءة والثقافة. منذ الصغر، تواصلت مع المثقفين والنشطاء الأمازيغ، وتعلمت اللغة الأمازيغية قراءة وكتابة، ما شكل قاعدة صلبة لاحقًا لمسيرتها الفنية والثقافية.
🎶 بداية الفن الأمازيغي
انطلقت مسيرتها الفنية سنة 1983، حين بدأت الغناء مع الرايس جامع الحميدي، وكانت تلك تجربتها الأولى في الساحة الفنية التقليدية. بعد فترة قصيرة، انتقلت لتجربة جديدة مع مجموعة اشتوك، قبل أن تتعاون مع الرايس مولاي محمد بلفقيه في تسجيل أغنية "تِنظَامَت" سنة 1984.
تأثرت في بداياتها بعدد من الأساطير النسائية في الفن الأمازيغي، مثل الرايسة تحيحيت مقورن والرايسة رقية الدمسيرية، مما منحها أساسًا قويًا في الأداء والقدرة على التعبير عن القضايا الاجتماعية والثقافية.
في عام 1988، انضمت إلى مدرسة الحاج محمد الدمسيري، الذي ساهم في صقل موهبتها وتوسيع آفاقها الفنية. وبحلول عام 1990، أسست فرقتها الفنية الخاصة، وبدأت تفرض حضورها على الساحة الغنائية بأغانيها المميزة، محققة بذلك الانتقال من الفنانة الصاعدة إلى أيقونة الأغنية الأمازيغية.
🌟 شعارها الفني ورسالتها
اشتهرت تبعمرانت بلقب “صاحبة الرباب الفضي”، وهو لقب يعكس العلاقة الخاصة بين صوتها العميق وأداة الغناء التقليدية الأمازيغية، الرباب. صوتها الأجشّ أضفى عمقًا على إيقالها الفني، وجعلها قادرة على التعبير عن المشاعر الإنسانية المعقدة بصدق لا مثيل له.
كرّست فنها لقضايا الهوية الأمازيغية، حيث تناولت مواضيع اجتماعية وثقافية وإنسانية، مثل:
-
الحرية: دفاعًا عن حق الأفراد والمجتمعات في التعبير عن هويتهم.
-
الطبيعة: تجسيدًا للحياة البسيطة والارتباط بالأرض، خاصة في مناطق الأطلس الصغير.
-
اليتُمية والفقد: تجربة عاشتها شخصيًا منذ طفولتها، فجعلتها قادرة على نقل الألم والأمل معًا في أغانيها.
أسلوبها الفني كان مزجًا بين الأصالة والتجديد، حيث حافظت على اللغة واللحن التقليدي، لكنها أضافت لمسات حديثة جعلت أغانيها تصل إلى جمهور واسع في المدن والمناطق القروية وحتى الجالية المغربية بالخارج.
🌍 حضورها الفني والمهرجانات
تميزت فاطمة تبعمرانت بحضور قوي على مختلف المنصات، الوطنية والدولية. فقد شاركت في مهرجانات مغربية كبيرة، مثل:
-
مهرجان Timitar في أغادير (2007): أحد أبرز المهرجانات التي تحتفي بالموسيقى الأمازيغية، حيث استطاعت أن تثبت نفسها كأيقونة حقيقية.
-
عروض في باريس، ميلان، أمستردام: أسهمت هذه العروض في توسيع جمهورها إلى المغاربة المقيمين في الخارج، ومنحها منصة عالمية لتقديم الفن الأمازيغي.
-
مشاركات مباشرة على الإذاعة والتلفزة المغربية: ضمن سهرات ثقافية وفنية مثل Massar TV وتظاهرات الجامعة الصيفية بنادي رجاء أكادير، ما ساعد على تقريب الموسيقى الأمازيغية من جمهور الشباب.
إن حضورها المستمر في المهرجانات جعلها ليست مجرد مطربة، بل سفيرة للهوية الأمازيغية، تنقل الثقافة عبر الصوت واللحن إلى كل مكان، مع التأكيد على الدور الاجتماعي للفن.
💿 أبرز أعمالها وألبوماتها
قدمت تبعمرانت مجموعة كبيرة من الألبومات والأغاني التي أسهمت في تأسيس نمط فني خاص يوصف أحيانًا باسم "أمايكينو"، ومن أبرز أعمالها:
-
Taghlaghalt (Echo of the Atlas) – 2007
-
Atalb Itarane – 2010
-
Ward Ihadan Aman – 2009
-
Azul N Henna – 2008
-
Baba Yuba – 2007
-
Izd Akal N Tmazight – 2007
-
Touf Darngh Imi Lward – 2006
تميزت هذه الأعمال بكونها مزيجًا من الشعر الغنائي واللحن الأصيل، حيث تعكس كلمات الأغاني تجارب حياتية ومعاناة الإنسان البسيط في الريف والمجتمع الأمازيغي. كما احتوت على رموز ثقافية تعكس الأرض والتقاليد، مما يجعل كل أغنية حاملة لهوية كاملة.
🏛️ نشاطها السياسي والاجتماعي
لم يقتصر دور فاطمة تبعمرانت على الفن فقط، بل دخلت مجال السياسة سنة 2011 عبر ترشحها باسم حزب التجمع الوطني للأحرار ضمن لائحة النساء في انتخابات البرلمان المغربي. فازت بمقعد نيابي، وأصبحت صوتًا للمرأة والمجتمع الأمازيغي في الساحة السياسية.
خلال ولايتها (2011–2016)، أثارت جدلًا سياسيًا حين وجهت سؤالاً بالأمازيغية إلى وزير التربية والتعليم، دفاعًا عن المعتقلين الأمازيغ في مكناس. هذا الحدث لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان رسالة قوية عن أهمية الاعتراف بالثقافة واللغة الأمازيغية في المؤسسات الرسمية.
🌿 دورها في الحفاظ على الهوية الأمازيغية
تُعد تبعمرانت رمزًا للأمازيغية في الموسيقى الحديثة، لأنها جمعت بين:
-
الأداء الفني الراقي
-
الشعر الغنائي العميق
-
الدفاع عن الثقافة واللغة
كما أسست مدرسة فنية خاصة بها، ساهمت في تكوين أجيال جديدة من الروايس والرايسات، مثل الرايسة خديجة تاشنويت والرايس عمر أتيگي، اللذين تأثرا بشكل مباشر بأسلوبها وموهبتها في الرباب والغناء الأمازيغي.
لقد رسخت حضور الأمازيغية في الفن والمجالس الرسمية، وكانت صوتًا للفرد والمجتمع معًا، حاملة للتراث والإبداع في آن واحد.
💭 رأيي الشخصي كمشاهد ومحب للثقافة
حين شاهدت فاطمة تبعمرانت لأول مرة على شاشة التلفاز، لم يكن الأمر مجرد غناء، بل كان تجربة حسية وروحية. شعرت أن صوتها يحمل كل التاريخ، كل المعاناة، وكل الفرح المرتبط بالهوية الأمازيغية.
صوتها الأجشّ ونغم الرباب الفضي يعكسان قوة المرأة الأمازيغية في مقاومة النسيان، وحفظ التاريخ الشعبي.
🕊️ خاتمة
تظل فاطمة تبعمرانت فنانة فريدة في تاريخ الموسيقى الأمازيغية المغربية، إذ جمعت بين النغم، الهوية، والفكر.
هي ليست مجرد صوت جميل، بل بوصلة ثقافية وجمالية، ومرجع لكل من يريد فهم روح الأغنية الأمازيغية، وأهمية الهوية واللغة في الفن.
لقد تركت إرثًا خالدًا في الموسيقى، المسرح، والثقافة، ويستمر تأثيرها في الأجيال القادمة، ليس فقط كفنانة، بل كرمز للمرأة الأمازيغية الحاملة للهوية والفكر والفن.
📚 المصادر
-
ويكيبيديا – صفحة فاطمة تبعمرانت
-
Wikipedia (en) – Fadma Tabaamrant
-
أرشيف مقابلات وإذاعات مغربية
-
مقالات ثقافية على Hespres وMassar TV
-
وثائق مهرجان Timitar وأرشيفه الفني
