الرايس أحمد أوطالب المزوضي: فنان من جيل الكبار ومدرسة في فن الروايس الأمازيغي

الرايس أحمد أوطالب المزوضي: فنان من جيل الكبار ومدرسة في فن الروايس الأمازيغي

🌅 مقدمة

يُعد الرايس أحمد أوطالب المزوضي أحد أعمدة الفن الأمازيغي المعاصر، وصوتًا فريدًا حمل إرث “فن الروايس” إلى أجيال جديدة بلمسة تجديد وإبداع.
لم يكن مجرد مغنٍ أو عازف، بل مدرسة فنية كاملة ساهمت في تطوير الأغنية الأمازيغية، محافظًا على أصالتها ومتفاعلًا مع نبض المجتمع وهموم الإنسان البسيط.

منذ أواخر السبعينيات، رسّخ المزوضي حضوره كأحد أبرز الوجوه الفنية التي جمعت بين الشعر، العزف، والأداء الراقي. وقد تمكن خلال مسيرته الطويلة من ترك بصمة لا تُنسى في الذاكرة الفنية المغربية، خصوصًا في سوس، حيث يشكل “فن الروايس” جزءًا أصيلًا من الهوية والثقافة الأمازيغية.



🌿 النشأة والبدايات

وُلد الرايس أحمد أوطالب المزوضي سنة 1955 في دوار توخربين، التابع لقبيلة مزوضة بإقليم شيشاوة.
نشأ في بيئة فنية أمازيغية أصيلة، إذ كان والده رئيس فرقة "أحواش"، بينما انتمى أعمامه إلى مجموعة "إنضامن"، وهي من أشهر المجموعات الشعبية التي تركت بصمة قوية في الذاكرة الغنائية المحلية.

منذ طفولته، عاش المزوضي وسط الإيقاع والأنغام، فكانت الموسيقى جزءًا من يومياته. بدأ بتعلم العزف على آلات بسيطة مثل البندير، ثم انتقل إلى كتابة الشعر الأمازيغي الشعبي، معبرًا عن مشاعر الناس بلغة القلب والوجدان.

وفي سن مبكرة، بدأ يشارك في الأعراس والسهرات المحلية، حيث لفت الأنظار بصوته القوي وأسلوبه المميز، قبل أن يتجه نحو الاحتراف في نهاية السبعينيات.


🎶 البداية الفنية ومسار التألق

انطلقت المسيرة الاحترافية للرايس أحمد أوطالب المزوضي سنة 1979، حين بدأ يشارك في الحفلات الكبرى إلى جانب كبار رموز فن الروايس، مثل:

  • الرايس محمد الدمسيري،

  • الرايس الحسن بوميا،

  • الرايسة رقية الدمسيرية،

  • الرايس مبارك أيسار.

هذا الاحتكاك مع الجيل الذهبي لفن الروايس ساعده على صقل موهبته وتوسيع آفاقه الإبداعية.
وبتشجيع من الرايسة رقية الدمسيرية، تعلم العزف على آلة البانجو والربابة، وبدأ في إنتاج أعماله الخاصة التي لاقت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا منذ أول ألبوم أصدره.

تميزت أغانيه بعمق كلماتها وجمال لحنها، ما جعلها قريبة من وجدان المستمع الأمازيغي أينما كان.


🎤 أسلوبه الفني وتأثيره

استطاع الرايس المزوضي أن يخلق لنفسه أسلوبًا فنيًا خاصًا، يمزج بين الأصالة والتجديد.
فبينما حافظ على جوهر “فن الروايس” من حيث الإيقاع والتوزيع، أضفى عليه لمسة عصرية من حيث التنسيق، الكلمات، وطريقة الأداء.

تناول في أشعاره مواضيع اجتماعية وإنسانية متنوعة مثل:

  • الحب والوفاء،

  • الغربة والحنين،

  • الحرية والهوية،

  • قضايا الشباب والتغيير.

كان جريئًا في طرح المواضيع الحساسة، دون أن يتجاوز الخطوط الأخلاقية أو القيم الثقافية للمجتمع الأمازيغي.
لذلك أحبّه الجمهور لأنه كان يُغني عنهم ولهم، بلغتهم ومشاعرهم.


🌍 مدرسة فنية وأجيال تتلمذت على يديه

لم يكن الرايس أحمد أوطالب المزوضي فنانًا فحسب، بل مُعلّمًا ومرجعًا للأجيال الجديدة من الفنانين الأمازيغ.
تتلمذ على يديه عدد من الأسماء البارزة التي أصبحت اليوم رموزًا في الساحة الغنائية الأمازيغية، نذكر منهم:

  • الرايسة زوبيدة تِتْكِيت،

  • الرايسة عائشة تاشنويت،

  • الرايسة خديجة تاشنويت،

  • الرايس محمد أزنكاض،

  • الرايس عمر أتيگي،

  • مجموعة بنات أوطالب.

كل هؤلاء يعترفون بتأثيره الكبير على مسيرتهم، سواء في أسلوب الأداء أو في روح الالتزام الفني والإنساني التي ميّزت المزوضي طيلة حياته.


💿 أعماله الغنائية وشهرته

خلّد الرايس المزوضي عددًا من الأغاني التي أصبحت اليوم من كلاسيكيات الفن الأمازيغي، ومن أشهرها:

  • 🎵 مكيد يوين أبووزار

  • 🎵 ماسول إران

  • 🎵 أجيي وكان أجيي وكان

تميزت هذه الأغاني بلحنها المتوازن بين الحزن والأمل، وكلماتها التي تعبّر بصدق عن معاناة الإنسان البسيط في المجتمع الأمازيغي.

لم تقتصر شهرته على المغرب فقط، بل وصل صوته إلى الجالية المغربية في أوروبا، خصوصًا في فرنسا، هولندا، وبلجيكا، حيث كان يحيي حفلات ناجحة يحضرها المئات من محبيه الذين وجدوا في فنه دفئ الوطن وعبق الذاكرة.


🕊️ الرايس المزوضي... رمز للأصالة والالتزام

ما يجعل الرايس أحمد أوطالب المزوضي فنانًا استثنائيًا هو وفاؤه للأصالة، وحرصه الدائم على تطوير الفن دون تشويهه.
لم يركض خلف الأضواء أو الربح السريع، بل جعل من فنه رسالة تربط الماضي بالحاضر، وتحافظ على اللغة الأمازيغية كوسيلة تعبير فنية قوية.

كان فنه بمثابة مرآة للمجتمع الأمازيغي، يجسد فيه أحلامه وآلامه وتطلعاته.
وبفضل هذا الإخلاص، أصبح المزوضي من أسماء الجيل الذهبي لفن الروايس، ومن الركائز التي بُني عليها المشهد الموسيقي الأمازيغي الحديث.


✍️ كلمة ختامية

يُعتبر الرايس أحمد أوطالب المزوضي أكثر من مجرد فنان؛ إنه ذاكرة موسيقية وثقافية حية.
ساهم في الحفاظ على تراث “الروايس” وإعادة إحيائه بروح جديدة تلائم العصر، دون المساس بجوهره الأصيل.

سيبقى اسمه محفورًا في تاريخ الأغنية الأمازيغية إلى الأبد، كرمز للصدق الفني، والإبداع الراقي، والالتزام بالهوية الأمازيغية الأصيلة.


📚 المصادر

  • مقابلات صحفية وتلفزيونية مع الرايس أحمد أوطالب المزوضي.

  • أرشيف إذاعة تمازيغت المغربية.

  • مقالات ثقافية بمواقع هسبريس وتيلكيل.

  • شهادات من فنانين معاصرين في مهرجانات الروايس.



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال