أحمد أزناك:فنان أمازيغي استثنائي في الدراما المغربية

أحمد أزناك (1956–2019): فنان أمازيغي استثنائي في الدراما المغربية

في ذاكرة المسرح والدراما المغربية، يظل اسم أحمد أزناك محفورًا كأحد الوجوه المضيئة التي جسّدت بعمق روح الإنسان الأمازيغي، وصوته الصادق في مواجهة تحديات الزمن. لم يكن مجرّد ممثل عابر، بل فنانًا ذا رسالة، مزج بين الإبداع الفني والالتزام الثقافي، فصنع لنفسه مكانة راسخة بين كبار الممثلين المغاربة.

Ahmed Aznague


🌿 النشأة والجذور

وُلد أحمد أزناك يوم 3 يوليو 1956 بمدينة الرباط، غير أن أصوله تعود إلى منطقة سوس الأمازيغية، التي أنجبت العديد من رموز الفن والثقافة في المغرب. تربى بين أجواء تجمع بين الأصالة السوسية والانفتاح الحضري، مما صاغ شخصيته الفنية المتوازنة بين الجذور والحداثة.

منذ طفولته، كان شغوفًا بالتمثيل والتعبير، فكان يقلّد الممثلين ويؤدي مشاهد صغيرة في المدرسة والحي، قبل أن يقرر أن يجعل من الفن طريق حياته ومساره المهني.


🎭 البدايات المسرحية

بدأ أزناك مسيرته الفنية سنة 1973، في وقتٍ كانت فيه الساحة الفنية المغربية تعيش مرحلة التأسيس بعد الاستقلال. انضم إلى عدد من الفرق المسرحية المحلية، حيث صقل موهبته في الأداء والحركة والإلقاء.
كانت بدايته الحقيقية من خلال مشاركته في مسرحيات أمازيغية وعربية تحمل رسائل اجتماعية وإنسانية قوية، ومن أبرز محطاته:

  • مسرحية "تامارا ن تودرت" (Tamara n Tudert) سنة 1994، التي عرّفت الجمهور الواسع بوجهه وموهبته.

  • مشاركته في أعمال تناولت قضايا الهوية، الفقر، العدالة الاجتماعية، ومكانة الإنسان البسيط في المجتمع.

أزناك لم يكن ممثلاً تقليديًا؛ كان يختار أدواره بعناية، ليكون كل عمل له رسالة تنبض بالحياة والصدق.


🎬 مسيرة تلفزيونية وسينمائية غنية

لم يقتصر عطاء أحمد أزناك على المسرح فقط، بل خاض تجربة ناجحة في التلفزيون والسينما، مقدّمًا أكثر من 80 عملاً فنيًا على مدار أربعة عقود.
شارك في أفلام ومسلسلات مغربية باللغتين الأمازيغية والعربية، وظهر في وصلات إشهارية وتوعوية ساهمت في انتشاره الجماهيري.

من أبرز سماته الفنية قدرته على الانتقال السلس بين الكوميديا والتراجيديا، وبين أدوار البساطة والحكمة. كانت ملامحه تحمل دفئًا طبيعيًا يجعل الجمهور يصدّق الشخصية التي يؤديها، دون تكلف أو مبالغة.


🌍 اللغة الأمازيغية في أعماله

تميّز أحمد أزناك بكونه من أوائل الفنانين الذين جعلوا من اللغة الأمازيغية وسيلة فنية قوية لنقل القصص والرسائل الاجتماعية.
كان يرى أن “الأمازيغية ليست لهجة محلية، بل لغة كاملة قادرة على التعبير عن كل المشاعر الإنسانية”، وقد سعى طيلة حياته إلى تعزيز حضورها في المسرح والدراما المغربية.

بفضل جهوده وجهود جيله، أصبحت الأمازيغية اليوم جزءًا أساسيًا من المشهد الإعلامي والفني المغربي، سواء عبر قناة تمازيغت أو من خلال الإنتاجات السينمائية المحلية.


🌟 فنان شعبي بملامح إنسانية

أدواره لم تكن مصطنعة، بل نابضة بالحياة. كان يُجسّد شخصية الفلاح، الأب، الحكيم، والعجوز الطيب، فيمنحها عمقًا إنسانيًا يلامس القلوب.
كان قريبًا من الناس، بسيطًا في سلوكه، صادقًا في كلماته، ومحبًا لفنه حتى آخر لحظة من حياته.

زملاؤه في الوسط الفني يشهدون له بالتواضع والانضباط والالتزام بالقيم الإنسانية قبل الفنية. لم يسع وراء الشهرة بقدر ما سعى وراء الرسالة التي يقدّمها للجمهور.


💫 الوفاة والوداع المؤثر

في 7 مايو 2019، رحل أحمد أزناك عن عمر ناهز 63 عامًا بعد صراع مع المرض.
جاء رحيله في أول أيام شهر رمضان، فعمّ الحزن الأوساط الفنية والثقافية بالمغرب، خصوصًا في مدينة أكادير التي احتضنت جنازته وسط حضور كبير من زملائه ومحبيه.

كان خبر وفاته صدمة لعشاق الفن الأمازيغي، حيث فقدوا أحد الأصوات الصادقة التي ناضلت من أجل ترسيخ مكانة الأمازيغية في الساحة الفنية.


🕊️ إرث فني خالد

رحل الجسد، لكن بقيت البصمة.
تراث أحمد أزناك هو أكثر من مجرد أفلام ومسرحيات، بل هو مدرسة في الالتزام الفني ودرس في الإيمان بالهوية الثقافية.

إرثه يستحق أن يُخلّد عبر:

  • توثيق أعماله في الأرشيف الوطني وقنوات الثقافة.

  • إعادة عرض مسرحياته في المدارس والمعاهد الفنية.

  • تكريمه سنويًا في المهرجانات الأمازيغية تقديرًا لعطائه الطويل.


✍️ رأيي الشخصي

شخصيًا، أرى في أحمد أزناك مثالاً للفنان الحقيقي الذي لم يغيّره الزمن، ولم تُغره الأضواء. كان بسيطًا كأرض سوس، عميقًا كتراثها، مضيئًا كجبالها التي لا تنحني.
حين تشاهد أداءه، تشعر أنه لا “يمثّل” بل “يعيش” الدور، يعبّر بعينيه أكثر مما يفعل بالكلمات.

لقد كان سفيرًا صادقًا للثقافة الأمازيغية، لا بشعارات، بل بفنه الراقي وإنسانيته الخالدة.


📚 المصادر

  • ويكيبيديا العربية – أحمد أزناك.

  • قناة تمازيغت – أرشيف برامج وثائقية.

  • مقالات تكريم في هسبريس وأخبار اليوم.

  • شهادات من زملائه المسرحيين في الصحافة المحلية.



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال